عاصم الطخيس
فيلم جيران (Neighbours) للكاتب والمنتج والمخرج، مانو خليل الذي أُنتج لدى شركة (Frame Films) السويسرية في عام 2021. الفيلم مدته: 124 دقيقة، وهو من النوع الدرامي والنضوج في العمر( coming of age)، وهو من بطولة: سرهد خليل في دور شيرو، وجهاد عبدو في دور نحوم، وجلال الطويل في دور وحيد حنوف، وجيان آرمانك في دور روشان، ومازن الناطور في دور جاسم، وهفال نايف في دور سليم، ونسيمة الظاهر في دور شمسة، وإيفان آندرسون في دور سودا، وإسماعيل زاغروس في دور آرام، وزايرك في دور حمو، وتونا ضويك في دور روزا، وديريا أويقرلار في دور حنا، وشيرزاد عبد الله في دور شيرو ٤٧.
تقع الأحداث خلال فترة حكم حافظ الأسد عام 1980م، في قرية صغيرة على الحدود التركية السورية، حيث يجد الطفل الكردي شيرو نفسه متسائلًا، كيف لعالمه الصغير أن يتغير تغيرًا جذريًا وبطريقة غير متوقعة بسبب القومية المزعومة.
لابد لنا عند الحديث عن الفيلم (جيران) من معرفة سبب خروج الفيلم بهذه الصورة، لاسيما من ناحية بناء القصة والشخصيات، فالكاتب والمخرج مانو خليل كردي سوري، عاش هذه المرحلة من حياته طفلًا، وقد تركت هذه المرحلة أثرها في شخصيته بشكل عميق، حتى إنه قام بكتابة القصة قبل 26 عامًا، وظل يطورها وينقحها سنويا، حتى ظهرت بشكلها النهائي في عام 2021م؛ أي بعد ثلاث سنوات من الإنتاج.
يفتتح الفيلم بظهور رأس شيرو ذي الست سنوات، وبعدها يختفي، ويظهر مرة أخرى ومعه عمه آرام وكأنهما يريدان القيام بعمل ما، لكننا ننتقل إلى مخيم للاجئين الأكراد السوريين الذين اضطروا لترك أرضهم بسبب الحرب في سوريا، مثلهم مثل بقية السوريين حاليًا، وهنا نلاحظ -ولو بشكل يسير- الحياة العامة والأوضاع غير الإنسانية التي يعيشون فيها، ونجد سيارة من الأمم المتحدة تتوقف وينزل منها ثلاثة أشخاص يبحثون عن شخص ما، وعندما يصلون إلى وجهتهم، يسألون عن سليم حمو، ولكن الذي يجيبهم هو شيرو، وهو بعمر 47 الآن، ويخبرونه أن هناك امرأة من سويسرا تبحث عنهم، وعندها يعطونه ورقة مرسوم عليها شيء ما، ويسألونه ما إذا كان يعرف من في الصورة المرسومة، وفي هذه اللحظة، نعود إلى الماضي مع شيرو ذي الستة أعوام وعمه آرام، حيث يطلقون ثلاث بالونات تأخذ اللون الأصفر، والأخضر، والأحمر التي تمثل العلم الكردي، وما إن ترتفع هذه البالونات في السماء حتى يرميها الجنود الأتراك بالرصاص؛ لتنفجر الخضراء والصفراء فقط، بينما تطير الحمراء في السماء عاليًا، وهنا، نعود بسرعة إلى الورقة التي يحملها شيرو وهو بعمر 47، وفي هذا المشهد نرى الرسمة تصور الشخصين والبالونات الثلاث، ثم نعود إلى البالون الأحمر في السماء، ويظهر معها عنوان الفيلم مالئًا الشاشة.
يُقدَّم الفيلم من منظور شيرو في أغلب الوقت، وهو يتنقل بين عمه آرام، ووالده سليم، وجده، وكذلك في علاقته بجيرانه، وهم عائلة يهودية يزورها دومًا كل سبت مع عمه آرام؛ لمساعدتهم في إشعال نار الفانوس والموقد؛ إذ يعجزون عن إشعالها بأنفسهم، وهذه العائلة المكونة من نحوم، روزا، وحنا أقرب شيء لعائلة شيرو الثانية. كما أننا نلاحظ في الفيلم العلاقة الرومانسية بين آرام وحنا، وهي علاقة شائكة بسبب الاختلاف بينهما في المرجعية الدينية. ويمكننا القول إن نقطة الحدث (Inciting incident) هي مجيء المعلم وحيد حنوف إلى القرية؛ لتعليم سكانها اللغة العربية وغيرها من المواد، ولكونه من دمشق، فقد عزَّز هذا تحدثه باللغة العربية وتقريرها على الطلاب والطالبات. إضافة إلى ذلك، كان لأفكاره -من تمجيد شعارات حزب البعث في الوحدة العربية، والحرية والاشتراكية- التي حملها معه إلى القرية تأثير مغاير على الطلاب والطالبات؛ إذ لم يعهدوا مثل هذه الأشياء سابقًا في حياتهم.
ولعل من أهم المشاهد التي تخبرنا عن طبيعة أهل القرية وبساطتهم، وكونهم مسالمين، دون دوافع سياسية أو عرقية، ذلك المشهد الذي يسأل فيه المعلم وحيد طلابه: كيف يمكننا هزيمة الكيان اليهودي؟ فكانت إجابات الطلاب بريئة، مثل لعب مباراة لكرة القدم وهزيمتهم، أو اللعب معهم لعبة الشرطي والحرامي للقبض عليهم جميعًا، في حين أن تعبيرات المعلم كانت على النقيض تمامًا؛ إذ كان مستاءً من الإجابات، لكن هذا المشهد تكرر مرة أخرى بعد فترة من الزمن، بعد أن لقنهم المعلم المفاهيم الخاطئة عن الكره والعرقية، فيقوم بتكرار السؤال السابق نفسه، لتأتي الإجابات مختلفة، مثل: أن نجمعهم وننحرهم، ونرميهم في البحر؛ لتأكلهم القروش والحيتان، وهنا نلحظ بوضوح التغير الفكري والأيدولوجي للطلاب.
مع شيرو نحن لا نرى فقط حياته؛ لأن وجوده مع مختلف الأعمار يعطينا نظرة شاملة عما يحدث في القرية، كما أن علاقته بوالدته (روشان) قوية، فهي دومًا تقول له كلمات تشع حبًا وتشجيعًا، وتخبره أنهم سيذهبون إلى مقابلة عائلتها هذا العيد عبر الحدود السورية التركية. ومن بين السياج الشائكة تتقابل عائلة روشان الموجودة في الجانب التركي، وعائلة سليم الموجودة في الجانب السوري تحت أنظار القوى العسكرية من كلا الجانبين، وكل جانب منهما يرغم الأكراد على التحدث باللغة التركية والعربية لإلقاء التحية خلال 15 دقيقة فقط، وفي هذا المشهد نرى المأساة التي يعيشها الشعب الكردي بكل أنواعها وأصنافها، من القمع والإجبار على التعلم والتحدث بلغة لا تنتمي إليهم، كان ذلك بارزًا خاصة في نظرات شيرو التي كانت تحكي القهر عندما رأى العسكر وهم يستعرضون قوتهم أمام شعب أعزل.
ومن الأحداث المهمة التي يمكن عدّها نقطة المنتصف (Mid-point) هي مسألة مقتل والدة شيرو (روشان) عندما كان أحد الضباط الأتراك يراقبها ببندقيته من أجل التسلية، لكن زميله أدخل القلم وضغط الزناد؛ ليقتل روشان ويسبب الفاجعة لعائلة شيرو وبداية المشاكل لآرام؛ إذ كان هذا الحدث كافيًا لتعذيبه وإجباره على الالتحاق بالجيش، غير أن شخصية آرام -التي تُعدُّ الشخصية المضادة للنظام الظالم والديكتاتوري- ترفض الانضمام إلى الجيش السوري، وتفضّل الانضمام إلى المقاومة الكردية القابعة وسط الجبال. أما شيرو فيقوم المعلم بإعداد مسرحية تحاكي واقعا افتراضيا، وهو اختطاف الكيان اليهودي لفلسطين، وضرورة اتحاد العرب ليستعيدوها من جديد، لكنه يقوم بوضع دمية كبيرة مصنوعة من القش، ويمرر السكين لكل طالب وطالبة لطعن الدمية، مع قيام أحد الطلاب بقطع رأس الدمية؛ وذلك لتقديمه لمن سيأتي من موظفي الدولة لتوصيل الكهرباء للقرية. وتجدر الإشارة إلى أن الفيلم ينتهي بسفر حنا وروزا إلى سويسرا بعد أن ساعدهم والد شيرو (سليم) بإصدار جوازات سفر مزورة لهم على اسمي والدته وزوجته المقتولة، وهنا يُكشفُ عن الرشاوى والفساد. وبعد سنة يتوفى نحوم، كما أن حنا تعود بعد غياب أربعين عامًا إلى المخيمات، وتلتقي شيرو ويتعرفان على بعضهما؛ لتفي حنا بوعدها حين وعدته يومًا أنها ستعود.
مما لا شك فيه أنه تجدر الإشادة بأداء الممثل السوري القدير جهاد عبدو في تعلمه للغة العبرية والكردية لأداء هذا الدور، وكذلك خبرته بقضية الفصل العنصري لإقليم كردستان. إضافة إلى ذلك، فإن كل ممثل في هذا العمل قد مثل دورًا وشخصية تليق به، وتحاكي ما في جوفه من رؤية وألم؛ لتساعده على الإفصاح به والتعبير عنه. فالممثل السوري جلال الطويل -على سبيل المثال- جاء من فرنسا للقيام بدور المعلم وحيد الذي كانت له آلامه الخاصة من جراء ظلم النظام والقهر الذي طال الشعبين؛ السوري والكردي. ويمكن عد هذا الفيلم نافذة تطل على معاناة الشعب الكردي التي لا ترويها القنوات ولا تصورها، كما أنه يعطي أحاسيس صادقة نبعت من إتقان الممثلين لأدوارهم، وهو ما أعطى مصداقية فنية وواقعية للفيلم.
كاتب المقال:
عاصم الطخيس، مؤسس شريك والمدير العام لشركة 3rd action للإنتاج الفني، وهي شركة فائزة بالعديد من الجوائز الدولية ومتخصصة بكتابة سيناريو الأفلام والقصص المصورة. كاتب سيناريو، استشاري نص سينمائي، خريج مدرسة فانكوفر للأفلام الكندية – متخصص بكتابة سيناريو الأفلام والمسلسلات، والماجستير من جامعة فولماوث البربطانية في كتابة السيناريو. حصد فيلمه القصير (مقابلتي مع الشيطان) على أكثر من 40 جائزة دولية والسيناريوهات غير المنفذة على 35 جائزة، كما حصلت قصته المصورة (طارد الجن) على أكثر من ٨ جوائز دولية.
هيئة التحرير
رئيس التحرير
د. إبراهيم الفريح
مديرة التحرير
أ. سمر المزيد
أعضاء هيئة التحرير
د. إبراهيم المرحبي | د. رانية العرضاوي | د. سماهر الضامن | أ. د. علاء الغامدي
الهيئة الاستشارية
أ. د. سعد البازعي | د. هيفاء الفيصل | د. حاتم الزهراني | د. أحمد العطوي
تصميم ودعم تقني
أ. إبراهيم الثاني
للتواصل والمساهمة في النشرة
syaq@scl.sa
Comments