top of page
  • سياق

كلمة هيئة التحرير: الأدب العالمي

يأتي هذا العدد متزامنًا مع حدثين عالميين مهمين هما: ختام كأس العالم 2022، واليوم العالمي للغة العربية في يوم 18 ديسمبر، فأمّا الحدث الأول فقد أثبتت فيه البشرية بنجاح مدى قدرتها على التآلف الإنساني والتعايش والتبادل الثقافي والحضاري والفني والرياضي، والقدرة على تقبل الاختلاف مع الائتلاف، هذه القدرة التي هي من أهم ما يحققه مفهوم الأدب المقارن ودراساته المتنوعة ويتشارك فيه مع الفن والرياضة. وأمّا الحدث الثاني فهو احتفاء عالمي مستحقّ باللغة العربية، بعدِّها واحدة من اللغات الفريدة التي شكّلت وجودًا لغويًّا وإنسانيًّا ميّزها عن غيرها من اللغات الآخرى، وهذه المائزة يتجلى بعض جوانبها بما اختارته منظمة اليونسكو لهذا العام موضوعًا للاحتفاء وهو: أثر اللغة العربية في الحضارات والثقافات.

وعند الحديث عن أثر العربية في الحضارات والثقافات الأخرى، نجد أنفسنا -بطبيعة الحال- نطرح جانبًا من موضوعات الأدب المقارن والدراسات الثقافية المقارنة؛ فاللغة العربية امتدّت بآثارها على مدار آلاف السنين في مختلف الحضارات والثقافات، وهذا الأثر كان على مستويات متعددة، كالأثر الصوتي، والأثر المعجمي، والأثر التركيبي، والأثر الجمالي، والأثر الاقتصادي، والأثر المعرفي، وغير ذلك كثير. ولو توقفنا على عجالة أمام الأثر الجمالي؛ سنجدنا نتماهى مع وجودها الجمالي في: الأدب، والفن، والعمارة.

أما في الأدب، فقد رفدت العربيةُ الآدابَ العالمية بروافد تراثيّة مُلهمة، كوّنت وجودًا عميقًا لأعمال خالدة، كما في كوميديا دانتي المتأثرة بغفران المعرّي، وعوالم ألف ليلة وليلة العجائبية التي تمخّض عنها أعمال أدبية وفنية متعددة القوالب، فكانت الرواية والفيلم والموسيقى والرقص والرسوم المتحركة والرسومات تحمل كلها حكاية أو شخصية من حكايات ألف ليلة وليلة، فكم أمتعت آدابنا العالم بعلاء الدين والمصباح السحري بلغات متنوعة، وأطربته بسمفونية عظيمة استوحيت من هذا السّفر الخالد، ناهيك عن أفلام السندباد، وعلي بابا، وحضور شهرزاد رمزًا أنثويًّا عربيًّا متعدد التأويلات. ولا يغيب عن أذهاننا ما حملته العربية إلى العالم من خلال تقديمها لأجناس أدبيَّة فريدة، حملت جماليّات الخيال، والتواصل الثقافي في الوقت ذاته، كما حصل مع فنِّ المقامات وتوريده للعالم فنًّا فريدًا. إضافة إلى ما قدَّمته العربيَّة من شعر الموشحات والأزجال، وما خلَّفه من أثر كبير في الشعر في الشعر الإسبانيّ ومن ثمّ الأوروبيّ، وفي تطوير الموسيقى والآلات الموسيقية. ونضيف إلى ذلك -في مجال القصة الحديثة- أثر قصة حي بن يقظان بتعدُّد صورها بين ابن سينا وابن طفيل وابن النفيس والسهروردي، حتى ألهمت الأدب العالمي شخصيات متعدِّدة بجماليّة تكوينها الثقافيّ والوجوديّ التعدديّ، مثل: روبنسون كروز، وماوكلي، وطرزان.

أما من زاوية الفن، فقد قدَّمت اللغة العربية مادة فنيَّة ثريَّة ذات أشكال متنوعة يُذكر منها المنمنات العربية التي تميّزت بها المخطوطة العربيَّة، وكانت مزدهرة في منتصف القرن الحادي عشر الميلادي، حيث ارتبطت بقيمة الخط، والكتابة لدى العرب، وأثر التزيين والزخرفة الفنيَّة على قيمة الكتاب، ومدى أهميَّة الكاتب والنَّاسخ آنذاك. وارتباط المنمنات بخيال الظل، وظهور الدمى، والتَّشكيل الأوليّ لمسرح العرائس، فظهر هذا الفن مُبرزًا توظيف جماليَّات الخط العربي ورسمه وتلوينه مقرونًا بالصّور التي كان يشكّلها الكتّاب ويضمنونها كتبهم، وقد ازدهر هذا الفن بقوَّة في العصر الوسيط، وامتدَّ أثره على تطوير صناعة الألوان والأحبار والورق، كلُّ هذا كان له الأثر الأكبر على الفنِّ الأوروبيِّ عبر تلاقح الثَّقافة العربيَّة مع ثقافات العالم الغربي عبر الأندلس، ومن ثمّ عبر التواصل التِّجاري والسِّياسي بين الشرق والغرب بعد ذلك.

أمّا في العمارة، فقد ألهمت اللغة العربية المعماريين العرب ابتداء طرائق هندسية ابتدأت من فهمهم للنُّقطة والأثر العميق لها في الحسابات الهندسية، والمسافة والمساحة، فكانت العمارة الإسلاميَّة مبنيَّة على نظام هندسيٍّ بارعٍ يتراءى مع بناء الخطِّ العربيِّ وخصائصهِ الكتابيَّة التي جوهرها النُّقطة؛ فالنقطة وحدةُ قياسٍ لأعمدة الخط، وهو ما وعاه الخطَّاطون العرب مبكرًا كابن مقلة، والفلاسفة كالكنديِّ والفارابيِّ وغيرهما، وقد أشار التهانويّ إلى دور النُّقطة عند المهندسين واستعمالهم لها مقياسًا جوهريًّا. فكان رفد اللغة من هذا الجانب الجماليِّ للعمارة والهندسة عجيبًا عميقًا، ظهر أكثر في استعمال الزخرفة الحرفيَّة في المباني، والاستفادة من الانحناءات الخطيَّة في التصاميم الهندسيَّة للعمارة، ناهيك عن فنِّ النَّقش على الجدران والقباب والأبواب بالحرف العربي. هذا كلّه أظهر المُكنة العربيَّة للجماليَّة العالية في العمارة، وهو ما أبهر الحضارات العالمية وذهب بها للاستفادة من الزخرفة العربيَّة وتقليدها في المنجر المعماريّ الإنسانيّ حتّى اليوم.

إنّ هذا العدد من سياق يقدم تناولًا مفاهيميًّا وجدليًّا للأدب العالميّ، ولأنّ عالميَّة الأدب واحدة من المسائل التي تعاورت مع الحدثين العالميين المصاحبين لهذا المفهوم، وتطرح ببطبيعتها أسئلة إنسانيَّة عظيمة مثل: هل يمكن أن ينتج كأس العالم أدبًا عالميًّا أم أدبًا إنسانيًّا؟ وهل حقا ما زال للغة العربيَّة هذا الحضور قويّ الأثر في الحضارات والثقافات الأخرى؟ ربما لو ربطنا بين الحدثين سنجد أن العالم كلّه -اليوم- عرف "مرحبًا، وسلام عليكم، وارحبوا، وشكرًا". إننا أمام تظاهرة عالميّة تحاول سياق أن تكشف عن جانب منها عبر طرح آراء ومناقشات عن عالميِّة الأدب والأدب العالميّ، وما يمكن أن يكونه القصّ والحكي، والصّوت والصّورة، والكلمة والإشارة في تشكيل أدب العالم وجدليّة عولمة الأدب، "فارحبوا" معنا في عددنا الجديد، متمنين لكم قراءة ماتعة.


هيئة التحرير

 

هيئة التحرير

رئيس التحرير

د. إبراهيم الفريح

مديرة التحرير

أ. سمر المزيد

أعضاء هيئة التحرير

د. إبراهيم المرحبي | د. رانية العرضاوي | د. سماهر الضامن | أ. علي المجنوني

الهيئة الاستشارية

أ. د. سعد البازعي |  د. هيفاء الفيصل | د. حاتم الزهراني | د. أحمد العطوي 

تصميم ودعم تقني

أ. إبراهيم الثاني


للتواصل والمساهمة في النشرة

syaq@scl.sa


٣٩ مشاهدة

コメント


bottom of page