هيئة التحرير
هل تستطيع أن تكتب ضحكاتك؟ هل هي: (ها ها ها) أم (هههههههه) أم (ههاي)؟ ولو كنت من غير العرب، هل ستبقى خيارات صوت الهاء هي المتاحة أمامك لمحاولة تسجيل ضحكاتك؟ ربما لو كنت روسيًا لسمعت ضحكاتك (خخخخ)، ولو كنت إنجليزيًا لكانت ربما (أو أو أو) مع زمزمة للشفتين، ولو كنت من بلاد الصين ربما لكان صوت ضحكك صوت غنة ممزوجًا بحشرجة الخاء (خن خن خن) مع نصف فم مفتوح، فمن المعيب فتح كامل الفم عند بعض الصينيين كما تقول صديقتي الصينية، حقيقة لا أدري! كيف هو صوت الضحك بين مختلف اللغات! لكن ما تدريه سياق وتؤكد عليه هو أنّ الضحك ظاهرة إنسانية، استحقت منها وقفة مطولة في هذا العدد. ففي الوقت الذي ظنّ كثير من الناس أنّ الضحك أمر عابر، نتعاطاه ساعات اللهو والمرح، جاءت حقيقة الضحك بصورة مختلفة ومخالفة للمتوقّع، بل لقد كسرت أفق كل التوقعات! فهذا الشعور أو السلوك أو حتى العملية العقلية الذكية من المخلوقات المختلفة -كما يزعم بعضهم- لغة من اللغات التي يحكي بها الإنسان عن ذاته وبيئته بل وحتى عاداته وتقاليده، فهنالك ضحك الرجال، وضحك النساء، وضحك البرجوازيين، وضحك الفلاحين، وضحك الأطفال، وضحك الأشرار، وضحك حتى الآلهة المنصوبة على أفنية المعابد في مختلف الحضارات. إنه الفعل الذي نتشارك فيه مع الحياة. يمضي الضاحك ليكون وجهًا للحيوية، فالموتى لا يضحكون، إنهم يبتسمون مرات، وتصبح ابتسامتهم سيرة كرامة لا تكف الأفواه عن تلاوتها، الضحك الحياة والبشارة: (فضحكت فبشّرناها) (سورة هود: 71)، وإن كان معنى الضحك هنا قد يحمل عودة علامة الخصوبة للمرأة، لكنه يقود لمعنى الحياة من جديد، الخصوبة التي أحيت موات الرحم، ليكون الوليد ثم الوليد ثم الوليد.
لكنّ سياق لم تفتح لك -عزيزي القارئ- أبواب الضحك الحي فقط، إنها تحكي لك سردية الضحك الذي قد يكون مذمّة، وقد يكون شفرة خبيثة، وقد يكون قصيدة شعرية، أو حتى أمثولة طريفة نظل نرويها ولا نرتوي منها. إنّ سياق تطّرح على ظهرها ضاحكة هي الأخرى بين أبوابها التي حملت دعابات الضحك واستحضرت عالم الهزل، ثم تنهض وتضبط عدستها متماسكة بوجه جاد باسم لتقدّم لك مقالتين نقديتين تحفران في وجود الضحك النصي، وترفع صوت الارتياح الضاحك عندما يأتي حديث مقال عن الضحك في عالم البدر الشاعر السعودي الذي لن يغيب، وتنتقل بهدوء البسمة الخاطفة إلى عوالم الفنّ والنقش والرسم للضحك والتصوير في تشكيل، وتنصت بابتسامة عريضة لمراجعة كتاب مشاكس، وحديث لذيذ عن ترجمة النكتة والطرفة، فإذا ما وصلت إلى السجال طرحت بين يديك حوارًا عن الضحك من مختلف الزوايا وتعدك بأنك ستغير مجرى ضحكاتك بعده، فإن وصلت إلى السلالم ستفشي لك سرّ الإدهاش الهامشي المضحك في قراءة للكوميديا، ثم تفضي لك سياق بأخبار الدراسات التي تناولت الضحك والأدب الساخر والهزل وغير ذلك من متابعات.
وحتى لا أطيل عليك -يا من تتبسّم لي الآن- أرأيت؟ إنها العدوى التي نريد نقلها إلى روحك، عدوى الضحك، الذي تختار سياق له الصوت المنقوش في سماء الحياة البهيجة بين رفوف الأدب والمعرفة، صوت النفَس والراحة، أم تراك تريده صوتًا كصوت ضحكة (سيلفر) في فيلم جزيرة الكنز عندما خدع صديقه (جيم) وفاز باكتشاف الكنز؟!
Comments