سارت للفنون – فوز الجميل
تُعدّ السيرة الذاتية للفنان لوحة بحد ذاتها، تتلون أيامها ولياليها بحسب أحداث حياته. لكنها آخرًا تأتي مكتملة كأجمل لوحة رسمها، أو ربما بصورة أدق: ترسم هي الفنان. ولذلك ذاعت شهرة الأفلام التي قدمت سِير فنانين عالميين كبيكاسو وجيكومنتو وفان غوخ، على سبيل المثال، وهي أفلام تأخذ الجمهور إلى الفنان، وأبعد من مجرد شاشة وتذكرة سينما، حيث يصبح الفنانون أقرب إلى الناس، وحيث يكون الفن أكثر من مجرد لوحة ساكنة في متحف مهيب أو كئيب. لقد كانت تلك القصص اليومية لحياة الفنانين سالفي الذكر؛ لطخات ألوان طبيعية على صفحة العمر؛ اللوحة الكبرى. لقد كان الجوع المرير لبعضهم يصور ثراءً في وجبة «آكلي البطاطا»، وكانت نقاط البؤس الليلي تكشف هول «الصرخة»، بينما رعب الأيام كان يحفي قدم الفنان الهارب من «حذاء» في لوحة. ولذلك فإنه يمكن القول: إننا نحاول عبر استقراء حياة الفنان؛ استقراء فنّه. والعكس صحيح.
الطبق الفضي (2017)، ريم الناصر
ريم الناصر، موهبة فنية ناشئة في المشهد الفني المعاصر في المملكة. تُعد أعمالها بمنزلة سيرة ذاتية متعلقة بموضوعات مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بتجربتها الشخصية، مثل الحركة والتنقل والتحولات الثقافية. هذه الموضوعات لا يتردد صداها على المستوى الفردي فحسب، بل تمتلك أيضًا أهمية اجتماعية تتجاوز حدود التجربة الشخصية، خصوصًا حين تكون البيئة الحاضنة متنوعة وغنية بالطبيعة والفن والإرث الثقافي كجازان.
في عملها الفني «الطبق الفضي» حاولت ريم محاكاة تجربة الخوف والقلق من منظور زمني شخصي. حيث يمثل تركيب الوسائط المتعددة المكون من ثلاثة أجزاء الماضي (قطعة صوتية)، والحاضر (تركيب فيديو مزدوج الشاشة)، والمستقبل (كتيب مطبوع). يظهر تركيب فني معقد يتردد بين حالتين متنوعتين من الاحتفال والتأمل، ويلمح إلى تجارب الفنانة الخاصة كامرأة سعودية تعيش في جازان، ويظهر بعمق تأثيرات الممارسات الثقافية في الفرد والمجتمع. تناقش القطعة الفنية عملية معالجة الماضي، وكيف يمكن خلق التوازن ليكون الإنسان قادرًا على المضي قدمًا في الحياة الشخصية والجماعية.
ريم الناصر، سلسلة قيامة، 2013.
ما يميز أعمال ريم الناصر هو الغوص عميقًا في النفس، واستخلاص الإلهام من تجارب حياتها الخاصة، سواء أكان الأمر يتعلق باستكشاف التأثير العاطفي للحركة الجسدية من مكان إلى آخر أم التعامل مع أشكال أكثر تجريدًا من التنقل. أعمالها هي انعكاس لرحلاتها وتجربتها الحياتية الفردية الخاصة - سواء بالمعنى الحرفي أو المجازي. إن قدرتها على التعمق في هذه التفاصيل مع الحفاظ على شكل متقن من الناحية الجمالية تظهر براعتها كفنانة، يمكنها تحقيق التوازن بين الشكل والوظيفة والجماليات والرسالة.
إن فن ريم الناصر يقوم بما هو أكثر من مجرد التصوير أو التمثيل؛ فهو يثير التفكير ويحث عليه. ومع استمرارها في استكشاف تعقيدات موضوعاتها والتعبير عنها، فمن الواضح أن عملها يسهم بشكل هادف في الخطاب حول الهوية والفضاء والثقافة في المملكة وخارجها.
لاقى معرض الناصر Shift الذي أقيم في لندن استحسان عددٍ من النقاد المحليين والعالميين. حيث تمكنت من عرض أعمالها جنبًا إلى جنب مع فنانين سعوديين مشهورين، وأظهرت الناصر تميزًا ملحوظًا، ما جعلها واحدة من المواهب النسائية الواعدة في المملكة، نظرًا لمسارها المتميز والتركيز الموضوعي المقنع لفنها.
ريم الناصر فنانة من جازان في المملكة العربية السعودية. درست الاقتصاد في جامعة جازان. يعتمد عملها على الخبرة الشخصية والملاحظة الدقيقة لموضوعات الحركة والتنقل والتغيير الثقافي. عرضت أعمالها في عدد من المعارض المحلية والدولية مثل معرض Shift الذي أُقيم في لندن، بريطانيا.
Comments