top of page

المقدمة | هيا بنا نلعب!

سياق

هيئة التحرير



عرَّف الفلاسفة الإنسان بتعريفات كثيرة، من بينها قولهم: إنه حيوان ضاحك، ثم استدركوا: لكنه باك أيضًا، حتى بلغوا أكثر التعريفات أمانةً بالنسبة لواقعه، فقالوا: إن الإنسان حيوان له تاريخ، وعندما بلغ الأمر مناط اللغة، قالوا: إنه حيوان ناطق. حسنًا، وبماذا ينطق هذا الإنسان؟ ما المستوى اللغوي الذي ينطق به؟ يمكننا هنا تأمل مستويات المنطوق الإنساني، علماء اللغة أبحروا في هذا اليم، فقسموا المستويات اللغوية إلى تقسيمات كثيرة، من بينها المستوى الصوتي، والمستوى النحوي، والمستوى الدلالي. 


في هذا العدد من سياق دعونا نضيف (المستوى اللعبي)؛ استخدام اللغة على سبيل التسلية، التي تتراوح في درجاتها، بين اللعب لمجرد اللعب، وبين اللعب الجاد، لماذا لا نفعل ذلك؟ ما المانع؟ لقد طرحنا فكرة العدد كنوع من المغامرة، وفكرنا في أن نضع (فأرة) فكرة العدد في (حِجر) كتابه، ونظن أن الأمر كان فيه فائدة عظيمة، لا تخلو من اللطافة، فاخترنا أن نذهب إلى المغرب، لنسأل الشاعر والكاتب الكبير عبدالقادر وسَّاط عن هذا اللعب باللغة، فوسَّاط هو أحد كبار اللاعبين باللغة، كيف لا وهو الذي أدخل الكلمات المتقاطعة إلى الصحافة المغربية، ونحن ندعوكم (يا قرَّاء سياق الأعزاء) بكل محبة إلى أن تطلعوا على ما كتبه وسَّاط معنا. 


في أفق آخر وفي مجال النظر المحلي للتلاعب باللغة طرأ لنا أن ننظر إلى فن المحاورات الشعرية الشعبية التي يسميها أهلها ويال المفارقة (لعب) أو (مِلْعاب)، واستفزعنا بالدكتور محمد البركاتي ليتحفنا بمادة عن تطور هذا الفن، منذ العصر الجاهلي حتى لعب الزواجات لدى بادية الجزيرة العربية، فأتحفنا بمقالة شافية ووافية، مدعمة بالشواهد اللطيفة التي تدعم فكرة اللعب باللغة. 


وفي باب سلالم واصلت فاطمة محسن عقيبي ما بدأه الدكتور البركاتي، وربطت بذكاء بين الفكرة المحورية للعدد وبين البلاغة العربية، الجميل أنها جالت بنا في بلاغة اللعب اللغوي منذ بداية الدرس البلاغي إلى أن وصلت بنا إلى الدراسات البلاغية الحديثة. 


أما في تشكيل فقد عزفت معنا الفنانة التشكيلية نوف السماري على نفس اللحن اللطيف، فجالت بنا في ثقافة فن الألغاز المقطعة المعروفة اليوم بـ(لعبة البازل)، من بدايتها كوسيلة تعليمية إلى لحظة انتشارها كلعبة من ألعاب الفن، كما طافت بنا في جوانب أخرى من اللعب باستخدام الفن. 


وفي سجال طرحنا بعض الأسئلة المتعلقة بموضوع العدد، من كون الأدب بشعره وسرده ما هو إلا شكل من أشكال اللعب باللغة، ولم ننس الأحاجي والألغاز بطبيعة الحال، وأصالة اللعب في تكوينها، وغير ذلك من الأسئلة التي ندعوكم إلى التفكير فيها وإلى النظر كذلك في إجابات ضيوفنا الأكارم. 


وفي باب صدى مراجعة كتاب (خدعة اللغة) لأستاذ اللسانيات والأدب المقارن بجامعة كولومبيا جون ماكوورتر، لخصته لنا الدكتورة زكية العتيبي، إذ عالج من خلاله المؤلف فلسفة الاستخدامات اللغوية، والطريقة التي يمكن للغة من خلالها التلاعب بالعقول.


وفي باب الضفة الأخرى تميز هذا العدد بمادتين: الأولى للدكتورة بسمة عروس بعنوان (الأدب بوصفه كتابة قصوى) تتناول فيها تجربة الكاتب الفرنسي (ريمون كونو) والتلعّب الأدبي عند جماعة (أوليبو) الفرنسية. أما المادة الثانية فجاءت كترجمة لمقالة للفيلسوفة (ساندي جرانت) تحت عنوان: (كيف يمكن أن نتحرر من خلال الألعاب اللغوية كما يسميها فيتجنشتاين)، وهي مقالة مهمة فلسفية وتأسيسية أيضًا فيما يخص مصطلح الألعاب اللغوية.    


إننا نظن أن اللعب مكون أصيل لدى الإنسان منذ فجر الحضارة الإنسانية، وما ربطنا له باللغة في هذا العدد إلا محاولة للتفكير في ربط هذا المكون في مجال تخصصنا وهو اللغة، ونتمنى أننا بهذا الفعل قد فتحنا نافذة من النوافذ المطلة على الجمال الإنساني، الذي دائمًا ما يتعامى الإنسان عنها أو ينكرها، إما عمدًا بسبب قسوة الحياة، أو سهوًا بسبب تجاوز سن اللعب، لكننا نذكّر قراء سياق الأعزاء بهذه المساحة المتروكة للعب، ونقول لهم: هيا بنا نلعب!   


               



Comments


  • Twitter
  • Linkedin
  • Facebook
  • Youtube
  • Whatsapp

 الجمعية السعودية للأدب المقارن © ٢٠٢٣

bottom of page