top of page

سجال | كلمات تجاوزت أسوارها

سياق

تحرير: د. إبراهيم المرحبي



منذ الوهلة الأولى التي أتقن فيها الإنسان فنون اللغة، بدأ في بناء عوالمه المحيطة به وتشكيل هويته الذاتية؛ إذ أصبح قادرًا على التعبير عن أفكاره وأحاسيسه، ورسم رؤاه التي تشفُّ عن أعماقه وتطلعاته. ومع تعاقب العصور، أدرك الإنسان شيئًا فشيئًا أن اللغة ليست مجرد أداة للتواصل، بل هي طاقة خلاقة تحمل في طياتها إمكانات تعبيرية لا حدود لها؛ حيث صارت الكلمات أشبه بقطع الشطرنج، تتحرك بذكاء عبر مساحات الزمان والمكان؛ ملاحقة المعاني ومعيدة تشكيلها. وكامتداد طبيعي لهذه الطاقات الكامنة في دواخل اللغة، ظهرت الألعاب اللغوية التي لم تكن -يومًا- لمجرد الترف أو اللهو بالكلمات، بل نافذة مشرعة تنفتح على أعماق النفس البشرية، ومساحة تتجاوز فيها الكلمات أدوارها التقليدية، لتصبح أدوات تتحرك بحرية بين المباشرة والرمزية؛ مساعدة الإنسان على اكتشاف الذات وتفسير الكون والآخر من حوله. في كل لعبة لغوية، نحن نعيد تشكيل اللغة عبر المجازات والتورية لنذهب بعيدًا إلى أماكن غير مألوفة أو غير مأهولة حتى! حيث لا تتوقف الكلمات عند حدودها الظاهرة، بل تتعدى إلى تلك المعاني الكامنة في أعماق الفكر والوجدان؛ لأنها تفاعل خفي بين العقل واللغة، ودعوة جلية إلى التفكر في طبيعة اللغة المتغيرة؛ تلك الطبيعة التي لا تكتفي بإيصال المعنى فقط؛ بل بخلقه، وإعادة صياغته، وتبني ما يتولد عنه من معان جديدة! وبهذا تصبح اللغة -كما رأى الفيلسوف النمساوي لودفيغ فيتغنشتاين (Ludwig Wittgenstein)- كالألعاب! تحكمها قواعد، ولكنها في الوقت نفسه تتسم بالتنوع والابتكار، حيث تُبنى معانيها في سياق الاستعمال اليومي والتفاعل الإنساني وتُفهم من خلال ممارستها وابتكارها المستمرين! والألعاب اللغوية منذ القدم، كانت ملعبًا للذكاء البشري، وميدانًا لاستعراض المهارة والتفكير، ففي الحضارات القديمة، ظهرت الألغاز كفن راقٍ للتلاعب باللغة، حيث كان الإغريق يستخدمون الألغاز؛ لاختبار الحكمة. أما العرب، فقد جعلوا من الألغاز والتورية والمحاجاة في مجالسهم الشعرية وأسواقهم الأدبية مساحات تُثير العقل، وتحفز الخيال، وتختبر المقدرة اللغوية، ولم تكن الألعاب اللغوية فيها وسيلة للتسلية والتحدي فحسب، بل كانت أيضًا أداة للتدريب العقلي وإثارة الفكر؛ فمن المجالس والطرف والألغاز إلى الكلمات المتقاطعة إلى النصوص الأدبية التي تتلاعب بالمعنى، وصولًا إلى التعبيرات المستحدثة التي توسّع حدود اللغة وتختبر مرونتها.

حول الألعاب اللغوية، وجهنا في سجال هذا العدد مجموعة من الأسئلة التي تشكّل مظلة كبرى شُدَّت أطنابها بعيدًا لتظلل حجم اللغة ومقدرتها التي صيرتها أداة للعب والمخاتلة، وجهناها إلى 6 من النقاد والأدباء والأكاديميين، وهم: الناقد د. سعيد السريحي، والروائية أستاذة الأدب والنقد المشارك بجامعة الباحة د. أميرة المحارب، وأستاذة الأدب والنقد المساعد بجامعة الملك سعود د. منال العُمري، والمتخصصة في مجال الصحافة والإعلام الأستاذة خديجة المزروعي، وأستاذة الأدب القديم المساعد بجامعة الملك سعود، د. مي الوثلان، ورئيسة قسم الترجمة بجامعة الأميرة نورة، د. فادية الشهري.

فهل اللغة بحد ذاتها مساحة للعب؟



في مستهل الحوار، يطرح د. السريحي رأيه عن الألعاب الشعبية لدى الشعوب التي تقوم على التلاعب باللغة، وعن الألغاز اللغوية التي تحفز الجانب الذهني، قائلًا: "لست على يقين من الذي قال إن اللغة هي أخطر جهاز اخترعته البشرية، ولكنني على يقين بأنها كذلك! اخترعها الإنسان ليعبر بها عن مخاوفه وآماله وآلامه وليتواصل بها مع من حوله، وحين أدرك أنها تعرِّيه أمام من حوله، قلبها على وجهها ليستخدمها في حجب مخاوفه وآلامه وآماله وأفكاره ويحول بواسطتها دون انكشافه أمام الآخرين، وحين نتذكر قوله تعالى: (يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم) ندرك أننا أمام اللغة الحجاب؛ اللغة التي تحول دون إدراك الآخر لما يدور في أنفسنا ونخشى أن يطلع عليه الآخرون. راح الإنسان يلعب باللغة -والقول للسريحي- بعد أن كادت تلعب به، يلعب بها في حربه وسلمه، في جده وهزله، في حديثه إذا تحدّث وفي كلماته إذا تغنّى بالشعر، واكتشف لذة هذا التلاعب، متعته، نصب شراك اللغة، ثم مراقبة خصمه في الميدان وفي "الملعبة" وهو يفكك هذه الشراك ويعيد تركيبها ثانية ليقلب السحر على الساحر والاكتفاء بإبطال سحره." ويكمل السريحي: "نحتاج مثالًا على ذلك؟ لنستمع إلى "الشقر" في منطقة الباحة، ولنصغِ لشعر "الزامل" في منطقة جازان لكي ندرك كيف تصبح اللغة ككرة النرد حين يتقاذفها اللاعبون."


وتنتقل الروائية د. أميرة المحارب إلى الإجابة عن المحور الثاني الذي سُلِّطَ الضوء عليه، ويتمثل في التساؤل عن إمكانية عدّ الأدب شعرًا وسردًا شكلًا من أشكال اللعب باللغة، تقول د. المحارب: إن "اللغة وعاء الكون؛ لذلك هي أداة تمثيل متمايزة للشعور والتعبير عن الذات. الأدب قائم على اللغة، وتمفصلاتها داخل الأدب: وسيلة وغاية ودهشة مجاز. كان الشعر قد استحوذ على مباهج اللغة وغرائبها اللفظية في وقت سابق وكوّن إرثًا لغويًا امتد حتى قصيدة التفعيلة، وما أثارته من تدفق لغوي هائل وموسيقى تناغمت لتحقق هذا التلاعب اللغوي، ثم جاء السرد على استحياء وبلغة رصينة أراد أن يموقع ذاته في اللغة، حتى تكشفت له عجائبية اللغة في روايات الفانتازيا التي وجد المتلقي فيها وضعًا جديدًا للغة بمستواها غير الطبيعي والاختزالي، وروايات المهمشين بنقلها إلى واقع المسحوقين وتصوير المفارقات المعاشة والمعاناة بلغة عميقة تفيض بالمعنى، ونقل الشعور من انفعال إلى تمثيل لغوي يحقق الدهشة رغم محدودية السرد في التلاعب باللغة ومجازها، إلا أن القصة القصيرة جدًا -من وجهة نظرها- نالت حظوتها في التلاعب باللغة وكثافة المعنى وما حققته مفارقة الدلالة ومفارقة البنية ومفارقة الحالة والمفارقة المشهدية من ديناميكية تفاعلية تطلبت المزيد من التلاعب اللغوي في بعض نماذجها الفنية، وتنوع مسمياتها بين القصة التويترية والقصة الومضة و(ق.ق.ج) والشذرة؛ لكن السرد بقي خاضعًا لمباشرة خطاب العامة من الناس بصورة أكبر من الشعر؛ لذلك بقي الشعر هو اللاعب القديم لغويا وفنيًا." وتؤكد د. المحارب "أن فنًا بين ذلك وذاك استطاع أن يغتنم هذا التلاعب لصالحه وهو الشعر المنثور (قصيدة النثر)؛ لبقائه ضبابيًا دون انتماء واضح للشعر أو السرد؛ افتعل المجاز مرارًا وفجّر طاقاته الإبداعية للي الأعناق لوجوده على خارطة الأدب، وكان لرواده هذا الاهتمام بتفجير طاقات اللغة من أمثال أدونيس، ومحمد الماغوط، وأنسي الحاج. ومن الأسماء المحلية التي أبدعت في قصيدة النثر أحمد الملا، وإبراهيم زولي، وعبد الله ثابت؛ فقد قدمت اللغة بصورة مشحونة للتعبير عن قضاياها ومحاولة لتموقعها واستمراريتها."         


من زاوية أخرى تجيب الناقدة د. منال العُمري عن دور اللغة في تفعيل جوانب اللعب في النوادر والقصص الفكاهية، قائلة: "تقوم النادرة بوصفها جنسًا أدبيًا على (الهزلية)، ولئن كان اللعب في جانب منه هزلًا، فإن النادرة توظف هذا (اللعبي) في صنع الموقف الهزلي والمفارقة المضحكة، وتستثمر اللعب اللفظي، وتقليب المعاني، بل يشكل (لعب العبارة) عمادة أساسية في بنيتها، كما هو الحال في الحركة اللعبية، وقد يكون قوام الشخصية الهزلية مدار الخبر لعبيًّا كأبي العبر، ويمكن أن نلحظ هذا -والحديث للعُمري- في جل أخباره، فاللعب أساس في لغته، وحركته، وهيئته، ومن هذا خبر يصف فيه كيف يؤلف نوادره، فيقول:" أجلس على الجسر ومعي دواة ودرج فأكتب كل شيء أسمعه من كلام الذاهب والجائي والملاحين حتى أملأ الدرج من الوجهين ثم أقطعه عرضًا وألصقه مخالفًا فيجيء منه كلام ليس في الدنيا أحمق منه"، فطريقة صنع النادرة عنده تقوم على آليات لعبية في كل مراحل بنائها، فقد صنع أبو العبر من كلام الناس المتفرق قطع أحاجي (Puzzle)، ثم أعاد ترتيبها، وقد كان جمع الكلام (لعبا) لا علاقة بين كلام هذا المار وذاك، ثم بعد التقطيع والمخالفة وإعادة الترتيب صارت قطعة مشوهة تمامًا؛ (لعب على لعب)، فاللعب هنا على درجتين لا درجة واحدة؛ لذا تصدر نوادره صادمة شديدة الحرارة، أو شديدة البرودة، كأجود ما تكون النادرة. "وتختم د. العُمري حديثها بالقول: "قد ينحو اللعب على مستوى اللغة منحى آخر حين يستخدم اللفظ مخالفًا للمقام، أو مخالفًا للتوقع، باختراق الموقف الجاد أو بتجاوز حدود اللباقة، أو بإزاحة اللفظ عن معناه، وتجدر الإشارة هنا إلى أخبار (ابن الخصيب) و(ابن الجصاص)، فالنادرة فيها تقوم على مثل هذا النسق من اللعب فقد "قال رجل لأحمد بن الخصيب يصف عنده رجلًا: ما هو إلا سبع، فقال أحمد: تقول سبع؟ أنا أدرى به منك، ما هو إلا تسع" وفي هذا الخبر -كما هو واضح- لعب لفظي حوَّل مسار الخبر من المسار الجاد إلى الهزلي".

وتضيف الكاتبة الأستاذة خديجة المزروعي بعدًا آخر في النقاش حين سؤالها عن الكلمات المتقاطعة في الصحف والمجلات وإمكانية عدّها من أنواع من اللعب اللغوي، في إجابة عنونتها بـ"الكلمات المتقاطعة: الفراغ المُربح"، إذ تقول: "في مطلع الألفية صباح اليوم التالي لليلة عملٍ شاقة، لم يهدأ رنين هاتف رئيس تحرير إحدى الصحف، كان ذلك العدد من الصحيفة يطرح العديد من الموضوعات الحساسة والمهمة، حينها كان لدى رئيس التحرير كل المبررات لمناقشة ما تم نشره وتحمل كافة المسؤولية تجاهه، لكن لم يطرأ بباله حين أجاب على أهم اتصال ورد إليه أن يكون كل ذلك الغضب لأجل عدم وجود لعبة الكلمات المتقاطعة في ذلك العدد. كانت المرة الأولى والأخيرة، التي اضطر فيها رئيس التحرير قبيل طباعة الصحيفة لإلغاء زاوية الكلمات المتقاطعة من ذلك العدد؛ للالتزام بعقد إعلاني يبلغ قيمته أكثر من مليون ريال سعودي، وكان قرارًا كلّف ملايين الريالات. وبلا شك هو غضب مبرر؛ فمنذ ظهورها أوائل القرن العشرين لأول مرة في صحيفة "نيويورك وورلد" في الولايات المتحدة الأمريكية أصبحت جزءًا لا يتجزأ من ثقافة الصحف والمجلات، تحظى بإعجاب ملايين القرّاء، ويُنسب الفضل في ذلك إلى الصحفي الأمريكي آرثر وين في عام 1913، فقد كان وين يبحث عن طعم يصطاد القارئ ليقع في فخ زيادة مبيعات الصحيفة فلمعت في ذهنه فكرة "شبكة المربعات الفارغة" فحقق لها البحث عن المعنى ربحًا عاليًا وجاذبية لقارئ مثقف، وبهذا خلقت لعبة الكلمات المتقاطعة روحًا حيّة للصحيفة بأكملها، فحينما يكتمل الفراغ بالمعنى يتسلل الملل إلى لاعبها ليحفزه ذلك إلى البحث عن متعة أخرى فينتهي به الحال إلى قراءة الصحيفة. والأمر لا يرتبط بميل الإنسان إلى استمتاعه بلذة الاستكشاف وإيجاد الإجابات، فلعبة السودوكو مثلًا تتطلب ذلك، كما أنها تأتي إلى جانب لعبة الكلمات المتقاطعة في الصحف، إلا أنها تعتمد في حلها على الأرقام والعمليات الحسابية الخالية من روح اللغة؛ مما يدفع لاعبها نحو العزلة، وهذا ما يجعل الكلمات المتقاطعة تتفوق عليها؛ لكونها تلامس مشاعر الناس من خلال اللغة فتؤثر بهم وفيهم، يفهمها الصغير والكبير المثقف وغير المثقف، فهي لغته التي يحيى بها ويتعلم بها ويصف بها شعوره، كما أنها تخلق جوًا اجتماعيًا ممتعًا، فكل فراغ يبحث له عن معنى يخلق حوارًا بين الفرد ومحيطه الاجتماعي وتنفتح بوابة المخزون المعرفي واللغوي، حيث كل كلمة يُكتشف حلها هنالك حكاية أو قصيدة أو تجربة شخصية ارتبطت بها، كما لو كانت تلك المربعات بوابته لحياته الأثيرة." وتكمل أ. المزروعي حديثها بالقول: "إضافة إلى كون الكلمات المتقاطعة تخلق مجتمعًا تفاعليًا وتعزز من الروابط بين أفراده، هي أداة ثقافية وتعليمية تحفز على التفكير النقدي تعكس قدرة الإنسان على التفكير والإبداع من خلال تعزيز المفردات، وهي بهذا الوصف تؤكد على أنها أداة متجددة لن تموت".


بدورها تضيئ أستاذة الأدب القديم المساعد بجامعة الملك سعود، د. مي الوثلان جانبًا آخر من جوانب الألعاب اللغوية والمتمثل في معرفة الأطياف الأخرى غير المنتبه إليها في اللغة التي تحقق نوعًا من أنواع الاستمتاع باللغة أو اللعب من خلالها، قائلة: "يأتي وصف اللغة، في بعض سياقاتها، بالمخاتلة والإيهام، بما تتيحه من إمكانات يستغلها المتحدث/ الكاتب من أساليب بلاغية تُصنف ضمن البديع والزينة كالجناس والتصحيف، وبما يعمد إليه من كسر العلاقة بين الدال والمدلول، واستعمال اللفظ على وجه المجاز، ويتحقق اللعب اللغوي أيضًا بالخروج عن المقام وتنافر السياقات وغير ذلك، وبمقتضى هذه المسالك التعبيرية والاختيارات اللغوية ينشأ -من وجهة نظرها- خطاب اللعب، الرامي إلى صنع المتعة وإعمال العقل ورياضة الذهن، ولعل الخيط الناظم أو السمة المشتركة بين جلّ الألعاب اللغوية هي سمة الإيجاز (التكثيف اللغوي)، فنجدها في الألغاز والأحاجي والنوادر والطرف وغيرها، بل إنها تُعدّ مكونًا قارًا في بنية بعض الأجناس الأدبية ممن تقوم على منطق الحيلة واللعب". وفي السياق ذاته تؤكد د. الوثلان "أن بعض المواضع (اللعبيَّة) تفتقر إلى العقل والمنطق في قراءتها وتأويلها؛ لشدّة اختزالها، من ذلك ما نجده في بعض الشواهد الأدبية من كلمات مبهمة وجمل مبتورة، على نحو ما كتبت جميلة المغنية في رسالة تعتذر فيها عن دعوة وجهت إليها تقول: "(بسم الله الرحمن الرحيم) أردت، ولولا، ولعلي... فأخذ (الرقعة) إبراهيم بن المدبر، فكتب تحت أردت "ليت" وتحت لولا "ماذا؟" وتحت لعلي "أرجو" (الأصفهاني،1992، ج22، ص175). وفي تفكيك مغاليق هذه الرسالة ضرب من التكهن والحذلقة!".


وتتناول د. فادية الشهري موضوع الألعاب اللغوية من جهة أخرى تتعلق بالمدلولات المستحدثة في اللغة العربية للفعل Play نتيجة لترجمته، كقولنا: يلعب العود أو الكمان وغيرها من الاستعمالات العربية الحديثة، بالقول: يبدو أن الفعل "يلعب" في الاستعمالات العربية الحديثة، مثل: يلعب العود أو الكمان وغيرها؛ قد نُقل عبر الترجمة من مدلولاته الأصلية التي منها اللهو والتسلي والحركة والعمل غير النافع إلى مدلول جديد عليه وهو "العزف على آلة موسيقية"؛ ويعود ذلك برأيها "لاستناد الترجمة إلى التشابه بين الفعلين play ويلعب من حيث ارتباط الدلالة بالحركة واللهو والمهارة". وتستكمل د. الشهري حديثها مؤكدة أن "مثل هذه الاستعارات تنشأ أثناء ترجمة النصوص الأجنبية -خاصة الأدبية والفنية- إلى اللغة العربية، فيستعين المترجم بالمقابلات المعبرة والمقاربة بدلًا من خلق مصطلحات جديدة في اللغة العربية. ويُعدّ هذا مثالًا على تأثير الترجمة الحساس والمستمر في تغيير الاستعمالات اللغوية والثقافية للمفردات، ويرى بعض المتخصصين -من وجهة نظرها- أن فيه إثراء للغة العربية وتأكيدًا على مرونتها وتقبلها لكل استعمال جديد، أما آخرون فيعدّونه أمرًا دخيلًا مؤثرًا في نقاء اللغة، وبالتالي على هويتنا الثقافية. أما أنا -والقول للشهري- فأرى أن الترجمة مهمة عسيرة بطبيعتها، وأمام حواجز ما يمكن ترجمته وما ينبغي ترجمته وكيفية ذلك؛ يضطر المترجم لتحدي قواعد اللغة أحيانًا وتجاوز حدود المألوف فيها. وتبقى الترجمة مع ذلك سبب ثراء اللغة وتجددها ووسيلة لتقاربها مع غيرها من اللغات، بل إن اللغة الواحدة لا تخلو من الترجمة أصلًا!". ولذلك لا ترى د. الشهري في الدلالات العربية المستحدثة نتيجة للترجمة "سوى انعكاس لكونية تواصلنا الإنساني، ومثلما أن الآداب والفنون القومية تتداخل لتصبح عالمية، فتثري وتغذي بعضها بعضًا؛ فإن الترجمة -برأيها- أداة هذا التداخل والتقارب ووسيلته. وكل لغة وثقافة تتسع للغات والثقافات الأخرى، لا تتحد معها بالتأكيد، ولكنها تغذيها وتتغذى منها عبر الانفتاح عليها، ولها أن تطور أدواتها حسب ذلك".



Comments


  • Twitter
  • Linkedin
  • Facebook
  • Youtube
  • Whatsapp

 الجمعية السعودية للأدب المقارن © ٢٠٢٣

bottom of page