مقدمة العدد العاشر
يُشكّل التسارع التقني المسيطر على الحياة اليومية تحديًا لا يتصل بطبيعة حياة الإنسان، ورؤيته، وعلاقاته مع بني جنسه والعالم من حوله فحسب، بل يمتد ليؤثر في طبيعة تعبيره عن نفسه ورؤيته لها، ووسائله في إيصال ذلك أو تلقيه. يأتي الأدب الرقمي ضمن هذا السياق بوصفه مرحلة مختلفة بطبيعتها وتحدياتها وأسئلتها، فهذا الأدب -المنشأ في الوسائط الحديثة والمتلقى من خلالها- ابن بيئة رقمية، ولد فيها، ومتلقى من خلالها، ويتصف بصفاتها، وهو بالتالي لا يتصل بالأدب المطبوع المحول إلى بيئة رقمية، بل يحمل سمات تميزه عنها توفرها البيئة الرقمية بإمكاناتها غير المحدودة والمبتكرة والمتطورة باطراد.
تنص منظمة الأدب الرقمي Electronic Literature Organization (ELO) على أن مصطلح الأدب الرقمي Electronic Literature يشير إلى تلك "الأعمال ذات الجوانب الأدبية المهمة التي تستفيد من القدرات والسياقات التي يوفرها الكمبيوتر المستقل أو المتصل بالشبكة." ثم تُسرد مجموعة من الفئات والممارسات المنضوية ضمن الأدب الرقمي، ومنها:
الشعر والقصص ذات الروابط (في شبكة الإنترنت أو خارجها)، والشعر الحركي (من خلال الفلاش أو غيره)، وروبوتات الدردشة الأدبية، والأدب التفاعلي، والروايات التي تتخذ شكل رسائل بريد إلكتروني أو رسائل نصية قصيرة أو مدونات، والقصائد والقصص المنشأة بالكمبيوتر، إما بشكل تفاعلي وإما بناءً على معايير معطاة في البداية؛ مشروعات الكتابة التعاونية التي تسمح للقراء بالمساهمة في نص العمل... إلخ.
يفرض هذا التحول أسئلة عديدة تتصل بمفهوم الأدب الرقمي وإشكاليات التجنيس، ثم ما يتصل بالحقوق الفكرية للمبدع، ومدى موثوقية النص المنشور، واستدامته، وسلامته من التعديل والتحريف بسبب الطبيعة الإلكترونية، إضافة إلى أثر التحول الرقمي في طبيعة الإنتاج نفسه، في غزارة الإبداع أو محدوديته، وما يمنحه من قدرات للتعبير. نتناول في سجال هذه القضايا وغيرها، مما يبرز ما يمثله الأدب الرقمي من إشكالات مستمرة لا تتصل بالمبدع فحسب، بل تمتد إلى الناقد والمتلقي وطبيعة تعاملهم جميعًا مع هذا الأدب. وكعادتنا في سياق، نطمح أن يكون هذا العدد مفتاحًا إلى مزيد من الأسئلة والنقاشات الرامية إلى التفاعل مع المستجدات بما يثري النقاش ويحفز الإضافة الواعية في مشهد ثقافي حيوي ومتطور.
コメント