top of page
سياق

الأدب العالمي والمحلية

د. هيفاء الفيصل

أستاذ الأدب المقارن المشارك في قسم اللغة الانجليزية وآدابها، جامعة الملك سعود


يعد الأدب العالميّ أوروبيّ الولادة بصفته فكرةً ظهرت في القرن السّابع عشر الميلادي، وأمريكيُّ النشأة بعدِّه مادة أدبيّة علميّة في القرن العشرين، ثم تطور في الألفيّة الثّالثة؛ ليلقى رواجتاً واسعًا في ظلّ العولمة؛ بفضل عولمةِ دورِ النّشرِ وعولمة الجامعاتِ وحركة التّرجمة وانتشار الجوائز الأدبيّةِ التي شكّلت من الأدب العالميّ منظومةً تخضعُ لأحكامٍ اقتصاديّةٍ عالميّةٍ. ويبرز ضمن أبرز الأسماء اللّامعة في التنظير للأدب العالميّ في الألفيةِ الثّالثة كلٌّ من: دافيد دامروش David Damrosch، وفرانكو موريتي Franco Moretti، وباسكال كسنوفا Pascale Casanova، وايميلي آپترEmily Apter وجيزيل شاييرو Giselle Shapiro.



فما هو الأدب العالمي؟

يتأرجحُ تعريف الأدب العالمي بين كونه مجموعة نصوص مستقاة من أعمالِ أدبيّة مميزة عالميًّا يختارها أكاديميون متمركزون في الغرب؛ الأوروبي والأمريكي، وتتداول بين طبقة من النخبة الثقافية الأوروبية والأمريكية، وتُجمع في أنثولوجيات، وتُدرّس في الأقسام الأدبية بالجامعات. وقد لاقى هذا التّعريف انتقادًا كبيرًا ولاذعًا عند عددٍ لا يُستهان به من النّقّاد الموجودين في الغرب، وعند قلّة من النّقّاد في الجامعات العربية، منهم ممّن يُدرّسون في الأقسام الأدبيّة الإنجليزيّة؛ وذلك انتقادًا للمركزية الأوروبية للأدب العالمي. أمّا التّعريفُ الآخر -الأقل رواجًا- فيتمثّلُ في النظر إلى الأدب العالميّ على أنه كلّ آداب العالم، وهنا يكون الاعتراض على صفة "العالمية" والإبقاء على "الأدب". بيد أن هناك توجّه إلى ما يُسمّى بالنّقد لفرانكو موريتي، وهو نقد يعتمدُ على منهج يسمّيه موريتي القراءة البعيدة، وهي قراءة تعتمدُ على النقد الحاسوبي Computational Criticism الذي يتم فيه إدخال أكبر عددٍ متوفّرٍ من المادةِ الأدبيّةِ -كالرّوايات مثلاً- في الحاسب، ومعالجتها بخوارزميات يُحدّدُها مجموعةٌ من النُّقّادِ في المعامل الأدبيّةِ، مثل المعمل الأدبي في جامعة ستانفورد الأمريكية، وهو ما يوضحه موريتي بقوله: نحن الآن ندرس ٢٠٠ عمل أدبي في الرواية البريطانية في القرن التاسع عشر، وهي تعادل أقل من ١٪ من الأعمال المطبوعة، إذ إن ما طبع حقًّا يقارب ٢٠٠٠٠ أو ٣٠٠٠٠؛ لذلك فالقراءة التقليدية لا تجدي نفعًا في تعريف هذا الأدب؛ لأن قراءة كتاب واحد يوميًا قد يتطلب قرنًا كاملًا لإنهائه! ومن هنا، لا يمكن فهم أو إطلاق أحكام على منتج أدبي بهذا الحجم بالمنهجية التقليدية، بل يجب فهم المجموعة الكاملة كنظام جماعي؛ فالقراءة التقليدية للأدب القوطي أو الـ gothic -على سبيل المثال- تعرف هذا النوع الأدبي عبر وجود صور معينة وجوّ عام للرواية ووجود القلاع وإلخ، ولكن القراءة الحاسوبية لهذا النوع الأدبي تعرفه من خلال كثرة تكراره لكلمة “ارتعد” أو “خراب”.

وقد يسأل القرّاء كذلك، لماذا الأدب العالميّ؟


ثمة شِبهُ إجماع على الدّور الرّئيس للعولمة في بروزِ الأدب العالميّ بهذه الهيئة، وهنا تكمنُ المخاطر المُتعلّقة بتسليع الأدب عن طريقِ الشّبكة الاقتصاديّة الّتي تربطُ الكتّاب بدُور النّشر، وبالمكتبات للتسويق للقرّاء، وباختيار ما يُترجم من أنحاء العالم، وبالجوائز الأدبيّة والمنصّات الإلكترونيّة للقرّاء الّتي تدفع بالأدبِ إلى اتّجاهاتٍ تهيمن عليها السّوقيّة، كمقيّمٍ أساسي؛ إذ -على سبيل المثال- تسيطر لجنة من النّقّاد والكُتّاب على مجالس الجوائز الأدبية التي يمكن أن تتعرض لضغوطٍ خارجيّة قد تؤثر في أحكام المحكّمين وتوجهاتهم عن طريق ما يمكن تسميته بالضّغط النّاعم، أو الخطر الأكبر؛ أي الأيديولوجية أو العنصريّة الدّاخليّة والتّعصّب لِفكرٍ معيّن أو فئةٍ مُعيّنة. لكن التهديد الأكبر -طبعًا- هو ما قد تواجهه الآداب المحلّيّة التي لا تنسكبُ بسهولةٍ في قوالب العولمة المتوفّرة، ولا تلاقي رواجًا في سوق الأدبِ العالميّ، ولا تجد التّوجه النّقدي الّذي بإمكانه أن يمنح التّقدير المعرفي لهذه المحلّيات، وكلّ هذه مخاطر معروفة لا يمكنُ أن نعدَّها مُبرّرات لإلغاء النّتائج الإيجابيّة لعولمة الأدب في الألفية الثّالثة، من حيث بعث الّروح من جديد في عالم الأدب، وربط الثّقافات بعضها ببعض، وتمكين الأنا المُفردة من الإقامة في الأنا الآخر، واستشعار حياة الآخر استشعارًا أعمق من أيّة وسيلة تواصلية أخرى.

يبقى السؤال؛ ما دور الأُدباء السّعوديين في هذه العولمة الأدبيّة؟ هل هو تركيز على المحلّيّة أم أنه طموح إلى العالميّة؟ كثير من الآراء النقدية تؤكّد على تدنٍّ في فنّية الرّواية السّعوديّة، والنقد الأدبي السّعودي، ولكن إذا قاربنا الموضوع مقاربة موضوعية سنجد أنّ هناك تحدّيات لا بدَّ من مواجهتها قبل إصدار الحكم العام على محتوى أدبيٍّ ثريٍّ يُغطّي مختلف مناطق المملكة العربيّة السّعوديّة وثقافاتها المتنوعة، فالمنتج النّقدي قيّم، ولابدَّ من دراسته باقتدار وفهم عميق للبيئة الفكريّة المحيطة به، والأهم من ذلك هو إزالة أيّ أثرٍ للاستشراق المُستبطن الّذي يصلُ بالنّاقد إلى التّقبل غير المشروط بوعي نقديّ للتمحور المعرفي الأوروبي في النّظريّات النّقديّة الّتي يتبنّاها.


أمّا عن سعي الأدباء السّعوديّين إلى العالميّة فيعتريه عدد من المخاطر، فمجرّد السعي إلى التعمق في التّابوهات والمحظورات المحلّيّة؛ لنيل إعجاب العالم الغربي قد يوصل عملا ما إلى العالميّة، ولكن جودة المادة الأدبيّة ستظل متدنية؛ لسوقيّتها، فمثلا الجنسنة و الإباحية في التمثيل الروائي قد تلاقي رواجًا عن طريق إثارة المشاعر؛ إما إعجابًا بالجرأة وإما نفورًا من التعدي على القيم الثقافية المحلية، وفي كلتا الحالتين إذا لم تخدم الإباحية سياق الرواية فإنها تعد مجرد تسليع عن طريق إثارة الجدل، وبالمقابل فإن تسليع المحلّية عن طريق إدراجها في النّمطيّات الاستشراقيّة ستنتقص من أصالة التّمثيل ومصداقيّته. فعلى سبيل المثال، بإمكاننا أن نعد رواية أمل الفاران: "غواصو الأحقاف"، من أنجح الروايات المحلية؛ لتلافيها هذه المخاطر، ولتمثيلها المحلية بأصالة لا تُنكر.


تبقى أفضل السبل إلى الاستدامة والعالمية مصداقية التمثيل وحرفيته و الشغف الأدبي الذي لا يروج للمحلية فقط، وإنما ينخرط فيها انخراطا لا يعير العالمية -بحد ذاتها- أيّ اعتبار ولا يجعلها أقصى الغاية لبلوغها.


 

هيئة التحرير

رئيس التحرير

د. إبراهيم الفريح

مديرة التحرير

أ. سمر المزيد

أعضاء هيئة التحرير

د. إبراهيم المرحبي | د. رانية العرضاوي | د. سماهر الضامن | أ. علي المجنوني

الهيئة الاستشارية

أ. د. سعد البازعي |  د. هيفاء الفيصل | د. حاتم الزهراني | د. أحمد العطوي 

تصميم ودعم تقني

أ. إبراهيم الثاني


للتواصل والمساهمة في النشرة

syaq@scl.sa

١٤٠ مشاهدة

أحدث منشورات

كلمة هيئة التحرير: الأدب العالمي

يأتي هذا العدد متزامنًا مع حدثين عالميين مهمين هما: ختام كأس العالم 2022، واليوم العالمي للغة العربية في يوم 18 ديسمبر، فأمّا الحدث الأول...

Komentarze


bottom of page