بعد تطوافنا في العدد الماضي من "سياق" بين تضاريس الأدب العالمي، نعود في هذا العدد إلى البيت، إلى الوطن وإلى الهوية التاريخية والجغرافية التي جمعت ستة بلدان، وربطتها بالعديد من العادات والتقاليد المشتركة. والأدب في هذه البلدان -مثل العديد من الآداب القومية- يتميز بارتباطه بهوية المكان، فنراه شديد التأثر بأدب الجزيرة العربية الذي يعود لقرون عدة عاصر فيها أحداثًا تاريخية واقتصادية طبعت بصمتها على تنوع أصنافه ومواضيعه. ورغم عمره القصير نسبيًا، يتميز الأدب الخليجي بزخم التجربة وفرديتها؛ لارتباطه بأصالة الأدب العربي القديم، ومعاصرته لتقدم الدول الخليجية في القرن العشرين.
يؤثر المناخ الجغرافي والسوسيولوجي والاقتصادي في القرن العشرين على هوية الأدب المنشور والمكتوب في البلدان الخليجية الستة، ويجمعه بإطار تاريخي اجتماعي مشترك ومتشابه رغم كل الاختلافات، فنرى هوية مشتركة، تأثرت بتاريخ المنطقة المنغلق العتيق وحاضرها المعاصر المنفتح على ثقافات أخرى وحضارات جديدة خلال القرن الماضي. وتظهر الخصائص الأدبية المتباينة لعين الناقد الأدبي عند مقارنته للأدب المنشور في المنطقة قبل وبعد، فبينما كان النص المنبعث من نجد يختلف كثيرًا عن النص المولود في الحجاز أو الكويت, أصبحت النصوص المكتوبة في القرن الواحد والعشرين متقاربة بطرحها للعديد من المواضيع الاجتماعية المتشابهة، كالقضايا العائلية، والصراعات النفسية للفرد مع مجتمعه أو ذاته أو مع الجنس الآخر، إذ انتشرت معالجة الصراعات الجندرية، من خلال توظيف الأجناس الأدبية المعاصرة بخصائصها ومواضيعها حتى وإن تفرد النص بسرد تراث وتاريخ منطقة معينة بذاتها تجعلها تشترك بالعديد من العناصر السردية عند مقارنتها أدبيًا.
وبعد أن كان الشعر هو الجنس الأدبي المهيمن في ساحة أدب الجزيرة العربية، نجد في الأدب الخليجي أجناسًا أدبية معاصرة للثقافة الأدبية العالمية، فانتشرت كتابة القصة والرواية وبدأت بمنافستها المحمومة للشعر جماهيريًا. ورغم أن العديد من النقاد قد يرون أن الشعر ما يزال متصدرًا أدبيًا وثقافيًا في الساحة الخليجية، إلا أن جمهور الرواية قد ساعد كثيرًا في انتشار كتابتها، فازدحمت أرفف المكتبات ومعارض الكتب بروايات خليجية جديدة، يهدف العديد منها إلى إرضاء القرّاء لا النقاد. ولعل الجدير بالذكر هو بروز بعض الأعمال الروائية المميزة من خلال هذا الزخم الأدبي، حازت على ثناء العديد من النقاد، فحصلت أكثر من رواية خليجية على جوائز عربية وعالمية جعلت دور النشر تسعى لترجمتها ونشرها في مختلف البلدان حول العالم، وأصبحت الرواية منافسة للشعر في الأدب الخليجي بعدما كان الأخير مسيطرًا على أدب الجزيرة العربية.
غير أن القضية اللافتة عند الحديث عن الأدب الخليجي تكمن في المصطلح ذاته الذي يثير إشكاليات غير قليلة لعوامل عدة، منها تاريخ المنطقة الممتد لقرون تسبق نشأة البلدان الخليجية، أو ما قد يراه البعض عدم استحقاق لتسمية منعزلة؛ لعمره القصير نسبيًا، وارتباط هذا الأدب الوثيق بالأدب العربي عمومًا، ولذا خصصنا باب سجال في هذا العدد لمناقشة مشروعية مسمى الأدب الخليجي، وسماته التي تميزه عن باقي الآداب بمشاركة كوكبة من أبرز النقاد والروائيين الخليجين الذين طرحوا آراءهم حول المصطلح وحقيقة وجوده المستقل، وعلاقته بالأدب العربي عمومًا، فجمع الباب بين طياته نقاشًا تفاعليًا محتدمًا حول شرعية المصطلح، وشروط الاصطلاح، وآثار ذلك على الإنتاج الأدبي المعاصر، بين آراء شديدة المعارضة تركز على القصور والمحدودية، وآراء مؤيدة تؤكد على استحقاق أدب هذه المنطقة لهذه التسمية بإشارات دالة على عناصر الاشتراك الثقافية والاجتماعية والتاريخية.
نطمح أن يكون هذا السجال محفزًا لك أيها القارئ الكريم لتكوين رأيك النقدي الخاص عن الأدب الخليجي، وماهيته، ومشروعية تسميته، وسماته، وذلك بمقارنته بالآداب القومية من خلال مفهوم أدب المناطق والمفاهيم ذات العلاقة، كون هذا الأدب أدبًا مشاركًا ومؤثرًا في الأدب العالمي.
هيئة التحرير
هيئة التحرير
رئيس التحرير
د. إبراهيم الفريح
مديرة التحرير
أ. سمر المزيد
أعضاء هيئة التحرير
د. إبراهيم المرحبي | د. رانية العرضاوي | د. سماهر الضامن | أ. علي المجنوني
الهيئة الاستشارية
أ. د. سعد البازعي | د. هيفاء الفيصل | د. حاتم الزهراني | د. أحمد العطوي
تصميم ودعم تقني
أ. إبراهيم الثاني
للتواصل والمساهمة في النشرة
syaq@scl.sa
Comments