متابعة: أ. سمر المزيد، د. سماهر الضامن، د. إبراهيم الفريح، د. رانية العرضاوي، د.إبراهيم المرحبي
تحرير: د. إبراهيم المرحبي
يُعدُّ الحديثُ عن "الأدب الخليجي" نموذجًا للحَرَاك الفكري حول أزمة المصطلحات في ميدان الدرس الأدبي والنقدي العربي، وعلى الرغم من مرور عقودٍ زمنيةٍ طويلةٍ تعود إلى خمسينيات القرن الماضي منذ أول ظهور لمصطلح "الأدب الخليجي" فإن معاودة النظر في طبيعة هذا المصطلح وأبعاده الثقافية والفلسفية مازالت حاضرة عند عددٍ من الكتاب والنقاد المعاصرين، وهي نظرةٌ مشوبةٌ بعدة تساؤلات عن ماهية هذا المصطلح ومشروعيته، وتبادل الرؤى والاقتراحات؛ مما يعزِّز هُويَّته ويفسر حضوره المنطقي بين الآداب الإقليمية والعالمية، ومن هنا ينهض سجالُ هذا العدد على استطلاع تلك الآراء حول إشكالية المصطلح نفسه "الأدب الخليجي" وعَلَاقته بالمصطلحات القريبة الأخرى مثل: "أدب الجزيرة العربية" و"الأدب في الخليج العربي"، بالإضافة إلى التوصيفات المُهمَّة التي عنيت بدراسة أدب المنطقة من المنظور الموضوعاتي الرابط بين تنوعاته المختلفة، لنتساءل: هل يمكن الوقوف على معالم ومميزات في هذا الأدب تؤهله لأن يكون أدبًا مستقلًا بهذا المسمى أم أنه أدبٌ عربيٌ ينتج في الخليج أو في الجزيرة العربية بصفته جزءًا من ثقافة أشمل، خاصةً وأن قضاياه تجاوزت بنظرتها الكونية حدوده الجغرافية؟
ترى الباحثة السعودية، أ.د. منيرة الغدير -أستاذة الأدب المقارن الزائر سابقًا بجامعتي هارفارد وكولومبيا- أن تسمية "الأدب الخليجي" هي "تسميةٌ سائلةٌ يتدفق معها عبء نمطية شبحية لا يمكن إزاحتها"، ولا ترى فيها "مصطلحًا قائمًا بذاته؛ لأنه [أي الأدب الخليجي] لا يحمل سردية اختلاف ثقافي، ولا يمنح أفقًا لغويًا أو فلسفيًا كما في مصطلح "الأدب العربي" أو الآداب العالمية التي تشكّلت حسب اللغة أو المكان الجغرافي بعيدًا عن الهامش المُنزلق؛" ذلك لأن تداول "الأدب الخليجي" كنوعٍ أدبي -في رأيها- أنشأ آخرية للأدب العربي وهامشًا لم ترسمه النصوص التي تجاوزت الخرائط البيئية ورغبويتها" قد تدخل المنتج الأدبي إلى "عزلة الفرع" كما حدث في الأدب الفرانكفوني -على سبيل المثال- الذي لم يُدمج مع الأدب الفرنسي حتى على أرفف المكتبات في باريس.
ولا يبتعد الكاتب الكويتي أحمد الزمام كثيرًا عن هذا الرأي؛ حيث يشدد على ضرورة إعادة النظر في مثل هذه المصطلحات؛ لأنها "مصطلحات مضطربة وقاصرة لا تتوافر فيها شروط الاصطلاح، كما أنها تسهم في عزل الإبداع عن محيطه وتجزئته، وتقييد امتداداته الثقافية، دون منحه حرية اتساعه وانتشاره"، ويبرر الزمام رأيه هذا بأن "الأدب الخليجي" بصيغته هذه، يتأتّى إمّا من الموقع الجغرافي؛ أي الدول المطلة على الخليج العربي، وهنا -وَفْقَ رأيه- "خلل في تحديد المنطقة الجغرافية؛ إذ تشترك الدول الخليجية العربية مع دول أخرى من خارج الإطار العربي، فالأدب منتج التجربة الإنسانية دون حدود أو جغرافية." أما عن المقصد السياسي، ويقصد به -هنا- "دول مجلس التعاون الخليجي، أو الاقتصادي كما هو الشائع عن دول الخليج الغنية بالنفط، في الوقت الذي يمد فيه كتّاب الخليج إنتاجهم خارج حدود المكان، حيث يقترب هذا المنتج الأدبي لديهم من الامتزاج مع منتج أمثالهم من الكتاب في الدول الأخرى، وقد نجح التعاطي معه، في ظل التطور الحاصل، والتواصل القوي، وسرعة تنامي إمكانات الانفتاح على العالم".
ومن جهته يشترك معهما أستاذ الأدب والنقد بجامعة الباحة الدكتور محمد الشّدوي في إعادة النظر إلى المصطلح؛ إذ يرى أن في إطلاق مصطلح "الأدب الخليجي" تضييقًا لا يتسق مع رحابة الأدب وموضوعاته في منطقة الخليج؛ ذلك لأن التسمية تأخذ بعدًا إقليميًّا جغرافيًّا قد يُختزل في جزء من آداب المنطقة، ويُهمل بعضها الآخر، وبهذا يضيق الدال على مدلول الواقع الجغرافي"، ويكون المصطلح هنا -في رأيه- مصطلحًا ضيّقًا "لا جدوى له إلا في جانب الدراسات الوصفية والبحثية المعرفية" لذا يدعو الشدوي إلى مصطلح أرحب وأكثر شمولية وهو "الأدب العربي في دول الخليج"، معلِّلًا "أن أدب هذه البيئة ليس مجرد تكرار أو تقليد لغيره، وإنما هو أدب يحمل سماتٍ مختلفةٍ تعكس بيئته وثقافة مبدعيه بما يحمله عن تلك البيئة من ملامحها التاريخية والجغرافية والثقافية والاجتماعية"، وهي عناصر في رأيه تؤكد قدرة شعراء وأدباء هذه البيئة على قراءة الأدب العالمي في المحلي بعدِّها كلها آدابًا إنسانية في ضوء استلهام البيئة القريبة بقضاياها ذات البعد الإنساني والتعبير عن ذلك بلغة وأبنية شعرية أو سردية أو مسرحية يستطيع الآخرون من غير أبناء البيئة أن يتواصلوا معها ويتذوقوا الجميل المؤثر فيها" وهو ما يمثل دينامية التفاعلية الإنسانية في الأدب والثقافة والعلم.
ويضيف الزمام أن ثمة معضلةً أخرى قد تواجه مشروعية المصطلح ألا وهي الهوية المشتركة بين الدول الخليجية، فلو افترضنا -كما يرى- "مشروعية مصطلح الأدب العباسي، لاقتصر ذلك على عصر الدولة العباسية زمنيًا، لكن حتى في ظل وجود الدولة العباسية، لم يكن هناك اجتزاء من الأدب العباسي ليظهر، مثلاً، الأدب العيوني للدولة العيونيّة، التي تنتمي إلى البيئة نفسها أو الهوية ذاتها، لذا فعند تتبعنا المعضلات سنخرج إلى مناقشة تنوع الأجناس الأدبية، ففي حال انتقائنا جنسًا محددًا منه، وهو الشعر، -مثلًا- سنتوقف عند قدرة تعاطي الدول الأخرى مع اللغة، أو اللهجات المحلية للشعر النبطي، أما في عالم السرد، كالرواية؛ والقصة، والقصة القصيرة، فالإنتاجات فيها غزيرة في الفترة الأخيرة لكتّاب خليجيين، ولا يمكننا فرض قبولها باللهجة المحلية لكل دولة من الدول الخليجية، فيكون عالم السرد باللغة العربية، وهو ما نتشارك فيه مع العالم العربي دون اجتزاء أو تمييز".
وهو ما تؤكده الغدير بقولها: إن القراءة النظرية المقارنة لهذا الأدب ستفكك الهاجس الفلكلوري؛ "لأن نماذج متعددة منه تبتعد عن ضيق أفق هذه التسمية؛ فالرواية في الألفية تفضي إلى عوالم ثقافية وتاريخية متداخلة، وأحيانًا يؤجل السرد هوية الشخصيات ويُشظي علامات المكان لإثارة أسئلة نظرية ووجودية، أما الشعر فيشاكس النسبة "الخليجية" التي تحد من تجواله في التراث وفرائد اللغة؛ قصائد شعراء الألفية في السعودية تخلق وشائج ثقافية وفلسفية مع العالم، بل تذهب مجازاتها لفضاء مستقبلي تُسائل فيه التحولات التقنية وتوظفها في رحلة ابتعدت باهتمامات القصيدة العربية المعاصرة عن سابقتها الحداثية".
وهي رؤية تتسق مع رأي الشدوي الذي يشير إلى أن "مجتمعات هذه الدول الخليجية على اختلاف ظروفها الجغرافية والاجتماعية والثقافية قد اضطرت كغيرها من المجتمعات العربية الأخرى إلى الولوج في دائرة التحضر والاندماج بالآخر، إلا أن أدباء وشعراء هذه البيئة قد استطاع -كثير منهم- التعامل مع الأبعاد الجغرافية والصحراوية والريفية والبحرية بوعي كامل، وبإمكانات أدبية خلاّقة لم تُنسِهم بيئتهم المحلية، ولم تنسلخ بهم عن ركب التحضر والتأثر بآداب الأمم الأخرى، مضيفًا أن "الحياة الحضارية والتقنية ووسائل التواصل الاجتماعي جعلت المبدعين على اطلاع دائم بما يجري من أحداث وتجارب في العالم كله؛ مما جعل من الأديب العربي أديبًا عالميًا يستطيع أن يهضم ثقافات الآخرين، ويمزجها بثقافته وتجاربه الخاصة لينتج لنا بتلك التجربة الواسعة أدبًا يرقى إلى العالمية، وأنه مهما بلغت درجة التأثر والتأثير عند أي أديب، فإنه يبقى لديه رواسب محلية من بيئته الخاصة تتوارى في أعماله الأدبية ما بين لحظة وأخرى؛ لأن الإنسان ابن بيئته مهما بلغ من تحضر ورقي، إلا أنه يكرر دعوته إلى التخلص من العزلة باقتراح "تسمية أدب هذه البيئة بالأدب العربي في دول الخليج العربي"، إذ يرى فيها توسيعًا لدائرة أدب هذه البيئة العربية التي تعتبر هي مهد العروبة والأدب العربي، وأن الأدب العربي في الدول العربية الأخرى ما هو إلا امتدادٌ لهذا الأدب الأصيل" وهي دعوة يرددها كلٌّ منهم لكسر حاجز العزلة لأدب المنطقة بحثًا عن رحابة عالميِّة في وقت يتنامى فيه المشترك الإنساني بفضل الحضارة وعناصر التقنية والعولمة.
ولا تذهب بعيدًا أستاذة الأدب والنقد بجامعة الملك عبد العزيز الدكتورة أشجان هندي؛ إذ يأتي رأيها متسقًا مع هذه الآراء النقدية؛ حيث ركَّزت على أهمية إعادة النظر إلى الاصطلاح، حيث تقول: "نعم صحيح، إن في مصطلح "الأدب الخليجي" تخصيصًا وتحديدًا للمنطقة الجغرافية التي أنتجت هذا الأدب" ونحن نقول: أدب بلاد الشام والأدب المصري والإنجليزي، ولا إشكال في ذلك؛ إذ هي مسميات نُطلقها لتحديد المنطقة الجغرافية، كما أن التراث الإسلامي والعربي -بمعناه الواسع الذي يحتوي فيه الفنون والآداب- له مكوّنات وأحد هذه المكونات هو عنصر الزَّمكان الذي يفضي إلى التخصيص، وليس إلى تمييز هذا الأدب عن غيره. "وهذه الرؤية لم تمنعها من الدعوة إلى الدقة في المصطلح، فمصطلح "الأدب في الخليج العربي" -وَفقًا لها- يحيلنا إلى الأدب الذي ينتج في منطقة الخليج العربي، في تحدد لماهيته وتدليل عليها من دون تضييق فيما يعبر عن أدب هذه المنطقة".
وتبرز مع هذه الآراء المطالبة بإعادة النظر في إطلاق مسمى "الأدب الخليجي" لعدم توافر شروط الاصطلاح فيه، لأنه من وجهة نظر النقاد -أعلاه- لا يحمل دلالات لاختلافات ثقافية، فضلًا عن آفاق لغوية أو فلسفية كما في مصطلح "الأدب العربي" ولا رحابة كما في الأدب العربي في الخليج، وليس في التسمية إلا تضييق وآخريّة قد تقيد أدب المنطقة بكلاليب العزلة، وتضعه في هامش الآداب العالمية – تبرز مع هذه الآراء آراء أخرى تنادي بأحقية المسمى لأدب هذه المنطقة لأسباب تلائم خصوصيته الثقافية ومكونات بيئته الجغرافية.
فمن جانبها أكدت الدكتورة شريفة اليحيائي -أستاذة الأدب والنقد ووزيرة التنمية الاجتماعية سابقًا بسلطنة عمان- أن مصطلح "الأدب الخليجي" "هو أهلٌ لنتاج أدباء المنطقة الثقافي والأدبي من القدم، لاسيما ذلك النتاج الأدبي الذي تناول طبيعة المكان والزمان وعادات الإنسان الخليجي اليومية ومعتقداته وقيمه وارتباطه بالحَرِّ والصحراء والنخلة والجمل وغيره من مكونات الطبيعة الخليجية وتفاصيل الإنسان الحياتية" وتعيد اليحيائي سبب هذا الاستحقاق إلى التهميش الذي لحق بأدب المنطقة منذ الخمسينيات من القرن العشرين "حينما كان نقاد وكتّاب بلاد الشام ومصر والعراق وفلسطين يؤرخون وينشرون في مجلات ثقافية وأدبية كمجلة "أدب" ومجلة "شعر" كل ما من شأنه أن يوثق ويؤرخ لأدب المنطقة العربية ككل تحت مسمى واحد وهو أدب الشام ومصر ورفض ما عداه" من آداب في المنطقة، وهو رفض أدى فيما بعد -من وجهة نظرها- إلى "استهجان ورفض أن يكون لمنطقة الخليج وقتها أدباء وشعراء وفنانون وحتى مثقفين". وتعزز اليحيائي رأيها بأن عددًا من البحوث والدراسات -رغم قلتها- تناولت تاريخ أدب منطقة الخليج وأكدت مشروعية مصطلح "الأدب الخليجي" منطلقة من عدِّ كل ما ينتجه كتاب ومؤرخو وشعراء إقليم جغرافي له سمات ثقافية وفكرية وتاريخية تفرض بدورها مسمّىً أو مصطلحًا ملائمًا لذلك النتاج ومنحة مسماه الجغرافي"، وهو ما ترى اليحيائي "أنه ينطبق على منطقة الخليج العربي من أقصاها إلي أقصاها؛ نظرًا لما تتسم بها من سمات ثقافية وفكرية مشتركة على مستوى الملبس والمأكل والمشرب وأنماط وسلوكيات الحياة اليومية لسكانه وما ينتج عن تلك الأنماط من فكر مكتوب وممارس له، كالشعر والرواية والتاريخ والأغاني والأهازيج والفنون التقليدية التي تندرج كلها تحت نتاج تلك المنطقة" الذي ترى أنه "يستحق بجدارة مصطلح: "ثقافة الخليج وأدب الخليج".
وتشترك -أستاذة اللغات والآداب بجامعة الإمارات- الدكتورة آمنة الأحبابي مع رأي اليحيائي في التأكيد على مشروعية مصطلح "الأدب الخليجي"؛ وذلك لما في الثقافة الخليجية من تنوع ثقافي في آداب وتقاليد شعبها وحضارتهم، إضافة إلى ما عاناه أدب هذه المنطقة وكتابه وكاتباته من تهميش وتقليل من أهميته على مدى عقود من الزمن بعدِّه أدبًا غير مهم على المستويين: الفنِّي والموضوعاتي؛ لذا ترى الأحبابي أن أدب الخليج يعكس تجارب أفراده وأنماط حياتهم المختلفة، وهو موجود ليبقى لا ليهمل. وتضيف "أن آداب المنطقة تربطها خلفية تاريخية وثقافية مشتركة؛ حيث إنه من السهل على القارئ العماني فهم الأدب الإماراتي أو القطري أو السعودي، وهو من مميزات هذا الأدب، في حين أن من الصعب فهم خواص هذا الأدب وأبعاده الثقافية من قبل القراء من مناطق أخرى من العالم العربي ما لم يكونوا قد عاشوا في المنطقة لفترة طويلة".
ويزيد على هذين الرأيين رأي للروائية السعودية أميمة الخميس التي تشير إلى أن "هناك أدبًا خليجيًّا قد بدأت تتبلور صفاته وخصائصه، وإن كان بصورة غير جلية ناصعة، لكنه بدأ يلفت الانتباه، ليس محليًا فقط -عبر عمقه العربي-، بل تتسع دائرته عالميًا، وهو ما تأكد لها عندما دعيتْ إلى قسم الدراسات الشرقية في جامعة هارفارد الأمريكية لتقديم ورقة عمل حول تجربتها الروائية؛ حيث وجدت الخميس "أن البوصلة الاستشراقية في دراسة الأدب العربي قد تحولت من اللافت أو المراكز الثقافية العربية إلى الخليج وتجربته الإبداعية الحديثة".
وتتفق معها في هذا الرأي الروائية الكويتية منى الشمري؛ حيث تؤكد "أن مصطلح الأدب الخليجي وإن كنا نقر بمشروعيته فإنه من الإنصاف "أن نعترف بضعفه ووهنه في فرض نفسه على طاولة تصنيفات الأدب العالمي، وتزيد بأنه حقيق بالدرس والبحث والتكريس لأننا "في منطقة دول الخليج العربية نملك أدبًا حقيقيًا يتميز بالبعد الإنساني بهويته الخاصة في الجزيرة العربية بكل خصوصية الميثولوجيا الساحرة وتنوعها الأيديولوجي المختلف، وثيماته الكونية الزاخرة بالتفرد واللغة المتينة في بلاغتها ورهافتها". كما أن الأدب "في منطقتنا مثل كل أدب آخر "ابن بيئته"، لكن أبرز ما يميزه -في رأيها- عن غيره "أنه يحمل هويته وقوميّاته وجماليته المحلية الثرية بتراثها وحضارتها التي تتشابه في الخط العريض، وتختلف في بعض التفاصيل التي تنطلق للقارئ العربي والأجنبي من خلال تحليقه بجناحين: الجناح الإنساني العام، وهي النظرة الكونية للقضايا العامة، والجناح الخاص المتأصل في الهوية الشعبية والحكاية المكانية بطابعها الفريد؛ حيث يتكئ على البعد الثقافي والحضاري والتاريخي والجغرافي للمنطقة".
من جانبها ترى الدكتورة سعاد العنزي -أستاذة الأدب والنقد الحديث بجامعة الكويت- أن مصطلح "الأدب الخليجي" بخصوصيته الثقافية المحليّة لا يتعارض "مع عبارات الأدب العالمي وإنسانية الأدب التي يفهمها البعض بشكل خاطئ على أنها إلغاء للخصوصية"، وتعلل رأيها "بأننا نؤمن بقيم إنسانية مشتركة، ونعيش نفس التجارب لكن بتفاصيل مختلفة وبحمولات ثقافية متباينة، فلكل ثقافة نظامها المجازي والرمزي وقضاياها الخاصة بها، التي لابد أن تعرض وتصور وتظهر في الأدب كما هي؛ فلكل أمة من الأمم أدبٌ خاصٌ بها يعبر عن خصوصيتها الفكرية والثقافية وأدوات تعبيرها الجمالية، ومن هنا تأتي خصوصية الأدب الخليجي ومشروعية المصطلح، فدول الخليج العربي لها خصوصية ثقافية تتقاطع مع بقية الدول العربية، ولكنها تختلف عنها، وهذا الاختلاف يحتاج إلى تأمل ورصد وتمثيل في الأدب والدراما وبقية الأشكال التعبيرية الأخرى يجعل من الضروري سك مصطلح مثل مصطلح الأدب الخليجي ليكشف لنا خصوصية الأدب الخليجي من حيث الشكل والمضمون".
وتبرر هذه الآراء أن مشروعية مصطلح "الأدب الخليجي" تتجلى في المميزات والسمات التي يحققها ويمتلكها. فعلى سبيل المثال، تشير العنزي إلى أن موضوعات الأدب الخليجي تختلف عن موضوعات الأدب العربي بشكل عام، كما في تناول قضايا المرأة الخليجية التي تأخر طرحها بسبب الحساسية الاجتماعية والثقافية التي تختص بها دول الخليج العربي، فيما هي قضايا تناولها الأدب العربي في بقية بلدان الوطن العربي بفترة زمنية مبكرة نسبيًا، والأمر نفسه يتجلى على المستوى الفني الذي أخذ في التطور متأخرًا في الأدب الخليجي؛ نظرًا لتأخر بداية كتابة الأدب الخليجي؛ حيث يفصله عن الأدب العربي ما يزيد على الخمسين عامًا، وهي عناصر تأخذنا إلى الخصوصية التي يتمتع بها الأدب الخليجي.
وتشدد اليحيائي على أن "الأدب الخليجي أدبٌ له سماتٌ متفردةٌ وملامح لشخصياته وأمكنته لا تتكرر في سمات آدابٍ أخرى عالمية كانت أم عربية، وأحد أهم سمات هذا الأدب الخليجي هو أن يكون كاتب النص الأدبي هو ابن المنطقة وليس مجرد مؤلف لنتاج أدبي تناول أحداثًا وشخصيات تنتمي جغرافيًا للخليج. بمعنى آخر لا تعد مثلًا رواية "وردة" نصًا روائيًا خليجيًا تناول أحداث ثورة ظفار بكل تفاصيلها التاريخية وعادات وسلوكيات شخصيات النص لأن كاتب النص صنع الله إبراهيم ليس فردًا خليجيًا، في المقابل تعد رواية "مزون وردة الصحراء" لفوزية سالم الشويش نصًّا روائيًّا خليجيًّا بامتياز؛ لكون كاتبة النص وشخصياته وزمانه ومكانه مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالانتماء الجغرافي للخليج العربي، كما هو الشأن في الكثير من النتاج الأدبي من شعر وقصة ومسرح ونقد".
وتتنوع مميزات هذا الأدب؛ حيث ترى الخميس أن هناك عددًا من السمات بدأت في الظهور والتبلور، وأبرزها هو الاحتفاء بالمهمش والثانوي، "مثل الأدب الشفوي والشعر الشعبي، ونتاج المرأة الكثيف، وتلك الرياح التي عصفت بالمطابع وانتهت بأرفف المكتبات".
وتحقيقًا لمشروعية المصطلح "الأدب الخليجي" وتكريسًا لحضوره ترى اليحيائي أن هناك ازديادًا ملحوظًا في "الدراسات التاريخية والنقدية العربية التي تتناول أدب المنطقة الخليجية موزعةً حسب المنطقة كـ "الأدب السعودي" و"الأدب القطري" و"الأدب العماني" و"الأدب البحريني" وغيرها من الدراسات الهادفة التي خرجت عن إطار الإقليم الشامل لتؤرخ لأدب المنطقة وَفْقَ طبيعة الدولة وساكنيها وقيمهم الحياتية التي تتغاير وتتمايز عن باقي دول المنطقة".
ومعها تدعو الأحبابي إلى ضرورة دراسة هذا الأدب "الخليجي" نظرًا لما يتمتع به من ثراء موضوعاتي فريد، وترى أنه على الرغم من أن الأكاديميين والمستعربين والمستشرقين في الغرب قد قاموا بنشر الكثير عن الثقافة والأدب العربي عمومًا في الماضي والحاضر، فإن دراسة الاختلافات بين الآداب الإقليمية العربية لم تحظَ بتكريس كافٍ في الدرس العلميّ والبحثي، وهذا الاهتمام الضعيف يقابله اهتمامٌ أضعف فيما يتعلق بالأدب الخليجي، "لذلك ترى "أن هناك حاجة ماسّة إلى مزيد من المنح الدراسية الخارجية لإضافة عمق وسياق لدراسة هذه المنطقة على كافة الأصعدة، ومنها الأدب؛ وذلك لتغيير صورة المنطقة في المتخيل الغربي التي غالبًا ما تختزل في كونها أرض الصحراء وناطحات السحاب، وفي النساء اللائي يتعرضن للإساءة وراء الحجاب والأبواب المغلقة".
وتشدد هذه الآراء على أن اقتراح عدم مشروعية مصطلح الأدب الخليجي تلغي فكرة التعرف على الأصوات المغايرة في المجتمعات الخليجية، وتكاد تمحو أي رغبة في بناء ثقافة الاعترافات المتبادلة بمكونات المجتمعات الخليجية.
هيئة التحرير
رئيس التحرير
د. إبراهيم الفريح
مديرة التحرير
أ. سمر المزيد
أعضاء هيئة التحرير
د. إبراهيم المرحبي | د. رانية العرضاوي | د. سماهر الضامن | أ. علي المجنوني
الهيئة الاستشارية
أ. د. سعد البازعي | د. هيفاء الفيصل | د. حاتم الزهراني | د. أحمد العطوي
تصميم ودعم تقني
أ. إبراهيم الثاني
للتواصل والمساهمة في النشرة
syaq@scl.sa
Comments